فصل: تفسير الآية رقم (6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (17):

{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17)}
أي والدار الآخرة، أي الجنة. خَيْرٌ أي أفضل. وَأَبْقى أي أدوم من الدنيا.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع» صحيح. وقد تقدم.
وقال مالك بن دينار: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى، على ذهب يفنى. قال: فكيف والآخرة من ذهب يبقى، والدنيا من خزف يفنى.

.تفسير الآيات (18- 19):

{إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (19)}
قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى} قال قتادة وابن زيد: يريد قوله وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى. وقالا: تتابعت كتب الله جل ثناؤه- كما تسمعون- أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا.
وقال الحسن: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى قال: كتب الله جل ثناؤه كلها. الكلبي: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى من قوله: قَدْ أَفْلَحَ إلى آخر السورة، لحديث أبي ذر على ما يأتي.
وروى عكرمة عن ابن عباس: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى قال: هذه السورة.
وقال والضحاك: إن هذا القرآن لفي الصحف الأولى، أي الكتب الأولى. {صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى} يعني الكتب المنزلة عليهما. ولم يرد أن هذه الألفاظ بعينها في تلك الصحف، وإنما هو على المعنى، أي إن معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف.
وروى الآجري من حديث أبي ذر قال: قلت يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالا كلها: أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم. فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكر فيها في صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد، ومرمة لمعاش، ولذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه. ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعينه. قال: قلت يا رسول الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: «كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح! وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها! وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل!. قال: قلت يا رسول الله، فهل في أيدينا شيء مما كان في يديه إبراهيم وموسى، مما أنزل الله عليك؟ قال: نعم اقرأ يا أبا ذر {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى}». وذكر الحديث.

.سورة الغاشية:

سورة الغاشية وهي مكية في قول الجميع، وهي ست وعشرون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآية رقم (1):

{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1)}
هَلْ بمعنى قد، كقوله: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ} [الإنسان: 1]، قاله قطرب. أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية، أي القيامة التي تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها، قاله أكثر المفسرين.
وقال سعيد بن جبير ومحمد بن كعب: الْغاشِيَةِ: النار تغشى وجوه الكفار، ورواه أبو صالح عن ابن عباس، ودليله قوله تعالى: {وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 50].
وقيل: تغشى الخلق.
وقيل: المراد النفخة الثانية للبعث، لأنها تغشى الخلائق.
وقيل: الْغاشِيَةِ أهل النار يغشونها، ويقتحمون فيها.
وقيل: معنى هَلْ أَتاكَ أي هذا لم يكن من علمك، ولا من علم قومك. قال ابن عباس: لم يكن أتاه قبل ذلك على هذا التفصيل المذكور ها هنا.
وقيل: إنها خرجت مخرج الاستفهام لرسوله، ومعناه إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك، وهو معنى قول الكلبي.

.تفسير الآيات (2- 3):

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3)}
قال ابن عباس: لم يكن أتاه حديثهم، فأخبره عنهم، فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة. خاشِعَةٌ قال سفيان: أي ذليلة بالعذاب. وكل متضائل ساكن خاشع. يقال: خشع في صلاته: إذا تذلل ونكس رأسه. وخشع الصوت: خفي، قال الله تعالى: {وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ} [طه: 108]. والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه.
وقال قتادة وابن زيد: خاشِعَةٌ أي في النار. والمراد وجوه الكفار كلهم، قاله يحيى بن سلام.
وقيل: أراد وجوه اليهود والنصارى، قاله ابن عباس. ثم قال: {عامِلَةٌ ناصِبَةٌ} فهذا في الدنيا، لان الآخرة ليست دار عمل. فالمعنى: وجوه عاملة ناصبة في الدنيا خاشِعَةٌ في الآخرة. قال أهل اللغة: يقال للرجل إذا دأب في سيره: قد عمل يعمل عملا. ويقال للسحاب إذا دام برقه: قد عمل يعمل عملا. وذا سحاب عمل. قال الهذلي:
حتى شآها كليل موهنا عمل ** باتت طرابا وبات الليل لم ينم

ناصِبَةٌ أي تعبه. يقال: نصب بالكسر ينصب نصبا: إذا تعب، ونصبا أيضا، وأنصبه غيره. فروى الضحاك عن ابن عباس قال: هم الذين انصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله عز وجل، وعلى الكفر، مثل عبدة الأوثان، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم، لا يقبل الله جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصا له.
وقال سعيد عن قتادة: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ قال: تكبرت في الدنيا عن طاعة الله عز وجل، فأعملها الله وأنصبها في النار، بجر السلاسل الثقال، وحمل الاغلال، والوقوف حفاة عراة في العرصات، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. قال الحسن وسعيد بن جبير: لم تعمل لله في الدنيا، ولم تنصب له، فأعملها وأنصبها في جهنم.
وقال الكلبي: يجرون على وجوههم في النار. وعنه وعن غيره: يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم، فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب، بمعالجة السلاسل والاغلال والخوض في النار، كما تخوض الإبل في الوحل، وارتقائها في صعود من نار، وهبوطها في حدور منها، إلى غير ذلك من عذابها. وقاله ابن عباس. وقرأ ابن محيصن وعيسى وحميد، ورواها عبيد عن شبل. عن ابن كثير {ناصبة} بالنصب على الحال.
وقيل: على الذم. الباقون بالرفع على الصفة أو على إضمار مبتدأ، فيوقف على خاشِعَةٌ. ومن جعل المعنى في الآخرة، جاز أن يكون خبرا بعد خبر عن وُجُوهٌ، فلا يوقف على خاشِعَةٌ.
وقيل: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة. وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا، ناصبة في الآخرة، خاشعة. قال عكرمة والسدي: عملت في الدنيا بالمعاصي.
وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم: هم الرهبان أصحاب الصوامع، وقاله ابن عباس. وقد تقدم في رواية الضحاك عنه.
وروى عن الحسن قال: لما قدم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل، عليه سواد، فلما رآه عمر بكى. فقال له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك؟ قال: هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه، ورجا رجاء فأخطأه،- وقرأ قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ}. قال الكسائي: التقهل: رثاثة الهيئة، ورجل متقهل: يابس الجلد سيئ الحال، مثل المتقحل.
وقال أبو عمرو: التقهل: شكوى الحاجة. وأنشد:
لعوا إذا لاقيته تقهلا

والقهل: كفران الإحسان. وقد قهل يقهل قهلا: إذا أثنى ثناء قبيحا. وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه. وانقهل ضعف وسقط، قاله الجوهري. وعن علي رضي الله عنه أنهم أهل حروراء، يعني الخوارج الذين ذكرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية...» الحديث.

.تفسير الآية رقم (4):

{تَصْلى ناراً حامِيَةً (4)}
أي يصيبها صلاؤها وحرها. حامِيَةً شديدة الحر، أي قد أوقدت وأحميت المدة الطويلة. ومنه حمي النهار بالكسر، وحمي التنور حميا فيهما، أي اشتد حره.
وحكى الكسائي: اشتد حمي الشمس وحموها: بمعنى. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب {تصلى} بضم التاء. الباقون بفتحها. وقرئ: {تصلى} بالتشديد. وقد تقدم القول فيها في {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]. الماوردي: فإن قيل فما معنى وصفها بالحمى، وهي لا تكون إلا حامية، وهو أقل أحوالها، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟ قيل: قد اختلف في المراد بالحامية ها هنا على أربعة أوجه: أحدها- أن المراد بذلك أنها دائمة الحمي، وليست كنار الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها.
الثاني- أن المراد بالحامية أنها حمى من ارتكاب المحظورات، وانتهاك المحارم، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه. ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
الثالث: أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها، أو ترام مماستها، كما يحمي الأسد عرينه، ومثله قول النابغة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ** وتتقي صولة المستأسد الحامي

الرابع- أنها حامية حمى غيظ وغضب، مبالغة في شدة الانتقام. ولم يرد حمى جرم وذات، كما يقال: قد حمى فلان: إذا اغتاظ وغضب عند إرادة الانتقام. وقد بين الله تعالى بقوله هذا المعنى فقال: {تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 8].

.تفسير الآية رقم (5):

{تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)}
الآني: الذي قد انتهى حره، من الايناء، بمعنى التأخير. ومنه آنيت وآذيت. وآناه يؤنيه إيناء، أي أحره وحبسه وأبطأه. {ومنه يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44].
وفي التفاسير مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ أي تناهى حرها، فلو وقعت نقطة منها على جبال الدنيا لذابت.
وقال الحسن: آنِيَةٍ أي حرها أدرك، أوقدت عليها جهنم منذ خلقت، فدفعوا إليها وردا عطاشا. وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: بلغت أناها، وحان شربها.

.تفسير الآية رقم (6):

{لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6)}
قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ} أي لأهل النار. {طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم. قال عكرمة ومجاهد: الضريع: نبت ذو شوك لاصق بالأرض، تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا، فإذا يبس فهو الضريع، لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه، وهو سم قاتل، وهو أخبث الطعام وأشنعه، على هذا عامة المفسرين. إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال: هو شيء يرمى به البحر، يسمى الضريع، من أقوات الأنعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلا. والصحيح ما قاله الجمهور: أنه نبت. قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ** وعاد ضريعا بأن منه النحائص

وقال الهذلي وذكر إبلا وسوء مرعاها:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ** حدباء دامية اليدين حرود

وقال الخليل: الضريع: نبات أخضر منتن الريح، يرمي به البحر.
وقال الوالبي عن ابن عباس: هو شجر من نار، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها.
وقال سعيد بن جبير: هو الحجارة، وقاله عكرمة. والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا. وعن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الضريع: شيء يكون في النار، يشبه الشوك، أشد مرارة من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأحر من النار، سماه الله ضريعا».
وقال خالد بن زياد: سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قال: بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم، حملها القيح والدم، أشد مرارة من الصبر، فذلك طعامهم.
وقال الحسن: هو بعض ما أخفاه الله من العذاب.
وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون عنده ويذلون، ويتضرعون منه إلى الله تعالى، طلبا للخلاص منه، فسمي بذلك، لان آكله يضرع في أن يعفى منه، لكراهته وخشونته. قال أبو جعفر النحاس: قد يكون مشتقا من الضارع، وهو الذليل، أي ذو ضراعة، أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة. وعن الحسن أيضا: هو الزقوم.
وقيل: هو واد في جهنم. فالله أعلم. وقد قال الله تعالى في موضع آخر: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36- 35].
وقال هنا: إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وهو غير الغسلين. ووجه الجمع أن النار دركات، فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد. قال الكلبي: الضريع في درجة ليس فيها غيره، والزقوم في درجة أخرى. ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال: {يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44]. القتبي: ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار، أو من جوهر لا تأكله النار. وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار. قال: وإنما دلنا الله على الغائب عنده، بالحاضر عندنا، فالأسماء متفقة الدلالة، والمعاني مختلفة. وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها. القشيري: وأمثل من قول القتبي أن نقول: إن الذي يبقى الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار، ليعذب بها الكفار. وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار، ولا أنهم يأكلونه. فالضريع من أقوات الأنعام، لا من أقوات الناس. وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع، وهلكت هزلا، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم، وضرب الضريع له مثلا، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع. قال الترمذي الحكيم: وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنئ، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة الله تعالى، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا، فلا النار تحرق الشجر، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار، فقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 80]. وكما قيل حين نزلت: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ} [الاسراء: 97]: قالوا يا رسول الله، كيف يمشون على وجوههم؟ فقال: «الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم». فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب. أو ليس قد أخبرنا أنه {كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها} [النساء: 56]، وقال: {سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ} [إبراهيم: 50]، وقال: {إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا} [المزمل: 12] أي قيودا. {وَجَحِيماً} [12] {وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ} [13] قيل: ذا شوك. فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء.